فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أم تقولون: استخلف على تدبيرها غيره، وهبط عن عرشه لرب نفسه على خشبة الصليب، وليذوق حر المسامير، وليوجب اللعنة على نفسه، حيث قال في التوراة: ملعون من تعلق بالصليب أم تقولون: كان هو المدبر لها في تلك الال، فكيف وقد مات ودفن!؟.
أم تقولون- وهوحقيقة قولكم-: لا ندري، ولكن هذا في الكتب، وقد قاله الآباء، وهم القدوة!!. والجواب عليهم!!
فنقول لكم وللآباء معاشر المثلثة عبّاد الصليب: ما الذي دلكم على إلهية المسيح؟، فإن كنتم استدللتم عليها بالقبض من أعدائه عليه، وسوقه إلى خشبة الصليب، وعلى رأسه تاج من الشوك، وهم يبصقون في وجهه ويصفعونه، ثم أركبوه ذلك المركب الشنيع، وشدوا يديه ورجليه بالحبال، وضربوا فيها المسامير، وهو يستغيث، وتعلق، ثم فاضت نفسه وأودع ضريحه، فما أصحه من استدلال عند أمثالكم ممن هم أضل من الأنعام؟، وهم عار على جميع الأنام!!
وإن قلتم: إنما استدللنا هذا الاستدلال صحيحًا، فآدم إله المسيح، وهو أحق بأن يكون إلهًا منه، لأنه لا أم له، ولا أب، ولا مسيح له أم، وحواء أيضا اجعلوها إلهًا خامسًا، لأنها لا أم لها، وهي أعجب من خلق المسيح؟!!، والله سبحانه قد نوع خلق آدم وبنيه إظهارًا لقدرته، وأنه يفعل ما يشاء، فخلق آدم لا من ذكر ولا من أنثى، وخلق زوجه حوى من ذكر لا من أنثى، وخلق عبده المسيح من أنثى لا من ذكر، وخلق سائر النوع من ذكر وأنثى.
وإن قلتم: استدللنا على كونه إلهًا بأنه أحيا الموتى، ولا يحييهم إلا إله. فاجعلوا موسى إلهًا آخر، فإنه أتى من ذلك بشيء لم يأت المسيح بنظيره ولا ما يقاربه، وهو جعل الخشبة حيوانًا عظيمًا ثعبانًا، فهذا أبلغ وأعجب من إعادة الحياة إلى جسم كانت فيه أولًا.
فإن قلتم: هذا غير إحياء الموتى. فهذا اليسع النبي أتى بإحياء الموتى وهم يقرون بذلك، وكذلك إيليا النبي أيضا أحيا صبيًا بإذن الله، وهذا موسى قد أحيا بإذن الله السبعين الذين ماتوا من قومه، وفي كتبكم من ذلك كثير عن الأنبياء والحواريين، فهل صار أحد منهم إلهًا بذلك.!؟
وإن قلتم: جعلناه إلهًا للعجائب التي ظهرت على يديه، فعجائب موسى أعجب وأعجب، وهذا إيليا النبي بارك على دقيق العجوز ودهنها فلم ينفد ما في جرابها من الدقيق وما في قارورتها من الدهن سبع سنين!!.
وإن جعلتموه إلهًا لكونه أطعم من الأرغفة اليسيرة آلافًا من الناس، فهذا موسى قد أطعم أمته أربعين سنة من المن والسلوى!!، وهذا محمد بن عبد الله قد أطعم العسكر كله من زاد يسير جدًا حتى شبعوا وملؤا أوعيتهم، وسقاهم كلهم من ماء يسير لا يملأ اليد حتى ملؤوا كل سقاء في العسكر، وهذا منقول عنه بالتواتر!؟.
وإن قلتم: جعلناه إلهًا لأنه صاح بالبحر فسكنت أمواجه، فقد ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق اثنى عشر طريقًا، وقام الماء بين الطرق كالحيطان، وفجر من الحجر الصلد اثنى عشر عينًا سارحة.!
وإن جعلتموه إلهًا لأنه أبرأ الأكمه والأبرص، فإحياء الموتى أعجب من ذلك، وآيات موسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أعجب من ذلك.
وإن جعلتموه إلهًا لأنه ادعى ذلك، فلا يخلو إما أن يكون الأمر كما تقولون عنه، أو يكون إنما ادعى العبودية والافتقار، وأنه مربوب مصنوع مخلوق. فإن كان كما ادعيتم عليه فهو أخو المسيح الدجال، وليس بمؤمن ولا صادق، فضلًا عن أن يكون نبيًا كريمًا، وجزاؤه جهنم وبئس المصير، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ}، وكل من ادعى الإلهية من دون الله فهو من أعظم أعداء الله، كفرعون، ونمرود، وأمثالهما من أعداء الله، فأخرجتم المسيح عن كرامة الله ونبوته ورسالته، وجعلتموه من أعظم أعداء الله، ولهذا كنتم أشد الناس عداوة للمسيح في صور محب موال!
ومن أعظم ما يعرف به كذب المسيح الدجال أنه يدعي الإلهية، فيبعث الله عبده ورسوله مسيح الهدى ابن مريم فيقتله، ويظهر للخلائق أنه كان كاذبًا مفتريًا، ولو كان إلهًا لم يقتل، فضلًا عن أن يصلب ويسمر ويبصق في وجهه!.
وإن كان المسيح إنما ادّعى أنه عبد ونبي ورسول كما شهدت به الأناجيل كلها، ودلَّ عليه العقل والفطرة، وشهدتم أنتم له بالإلهية- وهذا هو الواقع-، فلم تأتوا على إلهيته ببينة غير تكذيبه في دعواه، وقد ذكرتم عنه في أناجيلكم في مواضع عديدة مايصرح بعبوديته، وأنه مربوب مخلوق، وأنه ابن البشر، وأنه لم يدع غير النبوة والرسالة، فكذبتموه في ذلك كله وصدقتم من كذب على الله وعليه.
وإن قلتم: إنما جعلناه إلهًا لأنه أخبر بما يكون بعده من الأمور، فكذلك عامة الأنبياء، وكثير من الناس يخبر عن حوادث في المستقبل جزئية، ويكون ذلك كما أخبر به، ويقع من ذلك كثير للكهان والمنجمين والسحرة!.
وإن قلتم: إنما جعلناه إلهًا لأنه سمى نفسه ابن الله في غير موضع من الإنجيل، كقوله: إني ذاهب إلى أبي، وإني سائل أبي، ونحو ذلك، وابن الإله إله.
قيل: فاجعلوا أنفسكم كلكم آلهة، في غير موضع أنه سماه: أباه، وأباهم، كقوله: أذهب إلى أبي وأبيكم، وفيه: ولا تسبوا أباكم على الأرض، فإن أباكم الذي في السماء وحده، وهذا كثير في الإنجيل، وهو يدل على أن الأب عندهم الرب.
وإن جعلتموه إلهًا لأن تلاميذه ادعوا ذلك له، وهم أعلم الناس به؛ كذبتم أناجيلكم التي بأيديكم، فكلها صريحة أظهر صراحة بأنهم ما ادعوا له إلا ما ادعاه لنفسه من أنه عبد، فهذا متى يقول في الفصل التاسع من إنجيله، محتجًا بنبوة شعيا في المسيح عن الله عز وجل: هذا عبدي الذي اصطفيته، وحبيبي الذي ارتاحت نفسي له، وفي الفصل الثامن من إنجيله: إني أشكرك يارب، ويارب السموات والأرض.
وهذا لوقا يقول في آخر إنجيله: إن المسيح عرض له ولآخر من تلاميذه في الطريق ملكوهما محزونان، فقال لهما وهما لا يعرفانه: ما بالكما محزونين؟، فقالا: كأنك غريب في بيت المقدس، إذ كنت لا تعلم ما حدث فيها في هذه الأيام من أمر الناصري، فإنه كان رجلًا نبيًا قويًا تقيًا في قوله وفعله عند الله وعند الأمة، أخذوه وقتلوه.
وهذا كثير جدًا في الإنجيل.
وإن قلتم: إننا جعلناه إلهًا لأنه صعد إلى السماء.
فهذا أخنوخ وإلياس قد صعدا إلى السماء، وهما حيان مكرمان لم تشكهما شوكة، ولا طمع فيهما طامع، والمسلمون مجمعون على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم صعد إلى السماء وهو عبد محض، وهذه الملائكة تصعد إلى السماء، وهذه أرواح المؤمنين تصعد إلى السماء بعد مفارقتها الأبدان، ولا تخرج بذلك عن العبودية، وهل كان الصعود إلى السماء مخرج عن العبودية بوجه من الوجوه؟!!.
وإن جعلتموه إلهًا لأن الأنبياء سمته إلهًا وربًا وسيدًا، ونحو ذلك، فلم يزل كثير من أسماء الله عز وجل تعلق على غيره عند جميع الأمم وفي سائر الكتب، وما زالت الروم والفرس والهند والسريانيون والعبرانيون والقبط وغيرهم يسمون ملوكهم آلهة وأربابًا.
وفي السفر الأول من التوراة: أن نبي الله دخلوا على بنات إلياس ورأوهن بارعات الجمال فتزوجوا منهن.
وفي السفر الثاني من التوراة في قصة المخرج من مصر: إني جعلتك إلهًا لفرعون.
وفي المزمور الثاني والثمانين لداود: قام الله لجميع الآلهة هكذا في العبرانية، وأما من نقله إلى السريانية فإنه حرفه فقال: قام الله في جماعة الملائكة، وقال في هذا المزمور وهو يخاطب قومًا بالروح: لقد ظننت أنكم آلهة، وأنكم أبناء الله كلكم.
وقد سمى الله سبحانه عبده بالملك، كما سمى نفسه بذلك، وسماه بالرؤف الرحيم كما سمى نفسه بذلك، وسماه بالعزيز وسمى نفسه بذلك.
اسم الرب واقع على غير الله تعالى في لغة أمة التوحيد، كما يقال: هذا رب المنزل، ورب الإبل، ورب هذا المتاع، وقد قال شعيا: عرف الثور من اقتناه، والحار مربط ربه، ولم يعرف بنو إسرائيل.
وإن جعلتموه إلهًا لأنه صنع من الطين صورة طائر ثم نفخ فيها فصارت لحمًا ودمًا وطائرًا حقيقة، ولا يفعل هذا إلا الله. قيل: فاجعلوا موسى بن عمران إله الآلهة، فإنه ألقى عصا فصارت ثعبانًا عظيمًا، ثم أمسكها بيده فصارت عصا كما كانت.
وإن قلتم: جعلناه إلهًا لشهادة الأنبياء والرسل له بذلك. قال عزرا حيث سباهم بختنصر إلى أرض بابل إلى أربعمائة واثنين وثمانين سنة: يأتي المسيح ويخلص الشعوب والأمم، وعند انتهاء هذه المدة أى: المسيح، ومن يطبق تخليص الأمم غير الإله التام. قيل لكم: فاجعلوا جميع الرسل آلهة، فإنهم خلصوا الأمم من الكفر والشرك، وخلصوهم من النار بإذن الله وحده، ولا شك أن المسيح خلص من آمن به واتبعه من ذل الدنيا وعذاب الآخرة، كما خلص موسى بني إسرائيل من فرعون وقومه، وخلصهم بالإيمان بالله واليوم الآخر من عذاب الآخرة، وخلص الله سبحانه بمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله من الأمم والشعوب مالم يخلصه نبي سواه، فإن وجبت بذلك الإلهية لعيسى فموسى ومحمد أحق بها منه.
وإن قلتم: أوجبنا له بذلك الإلهية لقول أرمياء النبي عن ولادته: وفي ذلك الزمان يقوم لداود ابن، وهو ضوء النور، يملك الملك، ويقيم الحق والعدل في الأرض، يخلص من آمن به من اليهود ومن بني إسرائيل ومن غيرهم، ويبقى بيت المقدس من غير مقاتل، ويسمى الإله، فقد تقدم أن اسم الإله في الكتب المتقدمة وغيرها قد أطلق على غيره هو بمنزلة الرب والسيد والأب، ولو كان عيسى هو الله لكان أجل من أن يقال ويسمى الإله، وكان يقول: وهوالله، فإن الله سبحانه لا يعرف بمثل هذا، وفي هذا الدليل الذي جعلتموه به إلهًا أعظم الأدلة على أنه عبد وأنه ابن البشر، فإنه قال: يقوم لداود أب فهذا الذي قام لداود هو الذي سمى بالإله، فعلم أنه هذا الاسم لمخلوق مصنوع مولود، لا لرب العالمين وخالق السموات والأرضين.
وإن قلتم: إنما جعلناه إلهًا من جهة قول شعيا النبي: قل لصهيون: يفر ويتهلل، فإن الله يأتي ويخلص الشعوب، ويخلص من آمن به، ويخلص مدينة بيت المقدس، ويظهر الله ذراعه الطاهر فيها لجميع الأمم المتبددين، ويجعلهم أمة واحدة، ويصير جميع أهل الأرض خلاص الله، لأنه يمشي معهم وبين أيديهم، ويجمعهم إله إسرائيل.
قيل لهم: هذا يحتاج أولًا: إلى أن يعلم أن ذلك في نبوة أشعيا بهذا اللفظ بغير تحريف للفظة، ولا غلط في الترجمة، وهذا غير معلوم، وإن ثبت ذلك لم يكن فيه دليل على أنه إله تام، وأنه غير مصنوع ولا مخلوق، فإنه نظير ما في التوراة: جاء الله من طور سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران، وليس في هذا ما يدل على أن موسى ومحمدًا إلهان، والمراد بهذا: مجيء دينه وكتابه وشرعه وهداه ونوره.
وأما قوله: ويظهر ذراعه والطاهر لجميع الأمم المبددين ففي التوراة مثل هذا وأبلغ منه في غير موضع. وأما قوله: ويصر جميع أهل الأرض خلاص الله، لأنه يمشي معهم ومن بين أيديهم فقد قال في التوراة في السفر الخامس لبني إسرائيل: لا تهابوهم ولا تخافوهم، لأن الله ربكم السائر بين أيديكم وهو محارب عنكم، وفي موضع آخر قال موسى: إن الشعب هو شعبك، فقال: أنا أمضي أمامك، فقال: إن لم تمض أنت أمامنا وإلا فلا تصعدنا من هاهنا، فكيف أعلم أنا، وهذا الشعب أني وجدت نعمة كذا إلا بسيرك معنا، وفي السفر الرابع: إني أصعدت هؤلاء بقدرتك، فيقولأن لأهل هذه الأرض الذي سمعوا منك الله فيما بين هؤلاء القوم يرونه عينًا بعين، وغمامك تغيم عليهم، ويعود غمامًا يسير بين أيديهم نهارًا ويعود نهارًا ليلًا، وفي التوراة أيضا: يقول الله لموسى: إني آت إليك في غلظ الغمام، لكي يسمع القوم مخاطبتي لك، وفي الكتب الإلهية، وكلام الأنبياء من هذا كثير، وفيما حكى خاتم الأنبياء عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يبطش، وبي يمشي.
وإن قلتم: جعلناه إلهًا لقول زكريا في نبوته: صهيون، لأني آتيك وأحل فيك وأترائى، وتؤمن بالله في ذلك اليوم الأمم الكثيرة، ويكونون له شعبًا واحدًا، ويحل هو فيهم، ويعرفون أني أنا الله القوي الساكن فيك، ويأخذ الله في ذلك اليوم الملك من يهودا ويملك عليهم إلى الأبد.
قيل لكم: إن أوجبتم له الإلهية بهذا فلتجب لإبراهيم وغيره من الأنبياء، فإن عند أهل الكتاب وأنتم معهم أن الله تجلى لإبراهيم، واستعلن له وترائى له.
وأما قوله: وأحل فيك لم يرد سبحانه بهذا حلول ذاته التي لا تسعها السموات والأرض في بيت المقدس، وكيف تحل ذاته في مكأن يكون فيه مقهورًا مغلوبًا مع شرار الخلق؟!، كيف وقد قال: ويعرفون أني أنا الله القوي الساكن فيك؟!، أفترى عرفوا قوته بالقبض عليه، وشد يديه بالحبال، وربطه على خشبة الصليب، ودق المسامير في يديه ورجليه، ووضع تاج الشوك على رأسه، وهو يستغيث ولا يغاث، وما كان المسيح يدخل بيت المقدس إلا وهو مغلوب مقهور مستخف في غالب أحواله.
ولو صح مجيء هذه الألفاظ صحة لا تدفع، وصحت ترجمتها كما ذكروه؛ لكان معناها أن معرفة الله والإيمان به وذكره ودينه وشرعه حل في تلك البقعة، وبيت المقدس لما ظهر فيه دين المسيح بعد رفعه حصل فيه من الإيمان بالله ومعرفته مالم يكن قبل ذلك.
وجماع الأمر: أن النبوات المتقدمة والكتب الإلهية لم تنطق بحرف واحد يقتضي أن يكون ابن البشر إلهًا تامًا إله حق من إله حق، وأنه غير مصنوع ولا مربوب، بل لم يخصه إلا بما خص به أخوه، وأولى الناس به محمد بن عبد الله في قوله: إنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكتب الأنبياء المتقدمة وسائر النبوات موافقة لما أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك كله يصدق بعضه بعضًا، وجميع ما تستدل به المثلثة عبّاد الصليب على إلهية المسيح من ألفاظ وكلمات في الكتب، فإنها مشتركة بين المسيح وغيره كتسميته أبًا وكلمة وروح حق وإلهًا، وكذلك ما أطلق من حلول روح القدس فيه وظهور الرب فيه أو في مكانه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

قوله جلّ ذكره: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ...} الآية.
خَصَّهما بتطهير الروح عن التناسخ في الأصلاب وأفرد آدم بصفَةِ البدء؛ وعيسى عليه السلام بتخصيص نفخ الروح فيه على وجه الإعزاز، وهما وإنْ كانا كبيري الشأن فنقص الحدثان والمخلوقية لازِمٌ لهما. اهـ.

.من فوائد السمرقندي:

قال رحمه الله:
{إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله} نزلت في وفد نجران، السيد والعاقب، والأسقف، وجماعة من علمائهم وأحبارهم، قدموا على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وناظروه في أمر عيسى عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هُوَ عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ»، فقالوا: أرنا خلقًا من خلق الله تعالى بغير أب، وَكَانَ يُحيي الموتى، وكان فيه دليل على ما قلنا، وكانوا يقولون: أنه اتخذه ابنًا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسْلِمُوا» فقالوا: قد أسلمنا قبلك، فقال لهم: «كَذَبْتُمْ، إنَّمَا يَمْنَعُكُمْ مِنَ الإسلام ثَلاثٌ، أَكْلُ لَحْمِ الخَنْزِيرِ، وَعِبَادَةُ الصَّلِيبِ، وَقَوْلُكُمْ: لله وَلَدٌ»، فقالوا له: من أبو عيسى؟ فنزل قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ ءادَمَ} يعني: شبه خلق عيسى عند الله كشبه خلق آدم {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} يعني: صوّره من غير أب ولا أم {ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} فكان بشرًا بغير أب، كذلك عيسى كان بشرًا بغير أب، وفي هذه الآية دليل علمي أن الشيء يشبه بالشيء، وإن كان بينهما فرق كبير، بعد أن يجتمعا في وصف واحد، كما أن هاهنا خلق آدم من تراب، ولم يخلق عيسى من تراب، وكان بينهما فرق من هذا الوجه، ولكن الشبه بينهما أنه خلقهما من غير أب، ولأن أصل خلقهما جميعًا كان من تراب، لأن آدم لم يخلق من نفس التراب، ولكنه جعل التراب طينًا، ثم جعله صلصالًا، ثم خلقه منه، فكذلك عيسى عليه السلام حوله من حال إلى حال، ثم خلقه بشرًا من غير أب. اهـ.